على مرأى من عينايَ مرآتي وقفتُ أعقدُ ضفيرتي ، عقدتها كم لم أفعل " منذ زمن " ..
صفّفتها وأسدلتها يساراً ، وِسامَ طفولةِ على كتفي ، ولبستُ قناعَ بسمةِ ،،
وخرجتُ أجوبُ الشوارعَ ، أشُّم رائحةَ النهارِ ، آخذ نفساً عميقاً وأحبسهُ هنيهاتٍ في صدري
وأزفر به مُثقلّاً بالحسرةِ ، مثقلاً مُشبعاً ببقايا ألمٍ ، يتصاعدُ دوائراً كغمامةِ غليون جدّي ،
وفي آخر الجادةِ يقطنُ بقايا فرحي ، " أرجوحةٌ " تتكىء على حديقةِ لم يدركها غيري
أرمقها ، أُعاينها ما إذا زراها سوايَ ، أعتليها بصمتِ وشقاء طفلةٍ كاد للروح يبكي ،
أمدُّ قدمي وأُثبّتُ الأخرى ، أمارس طقوس الارجوحةِ ، الى الأمام ، للخلف ، أعلى ، أسفل
أرتفعُ عن سطح الأرض قليلاً ، أكثر ، عالياً ، للحظةٍ تراودني خاطرة بأن أفلت يدايَ وأُحلّق
في القمّة خلعتُ قناعَ البسمةِ ورميتهُ أرضاً ، هنا فقط أكون على طبيعتي !
هززتُ الارجوحة بقوّةِ أكبر ، فسقطت دمعةٌ من عيني سهواً ، وإرتطمت أرضاً ب " الواقع "
تعاليتُ وتعالى صوتي ، صرختُ أنيناً ، شكوتُ وجعي ، بكيت وبيكت ونهايةً ضحكتُ
تذكّرتُ يومَ كنت صغيرةً وتتعالى ضحكاتي مع تأرجح الضفيرةِ يومَ ترتطم بخدّي
وأصرخ بشقاوةٍ ومرحٍ ، ويتعالى صوت ضحكاتي مع كل نسمةٍ قادمةٍ لأعلى .
.. أصحو على صدى مرحٍ يرتطم بجدار اللحظة وتبلّله عبرةٌ تحتضر على عنقود ضفيرتي
ألحظُ طفلةً بجانبي تنظرني تارةً فرحةً لأرجوحتي المتطايره ، وتارةً أخرى مستغربة
تشّدُ ثوبَ أمها تريد هي الأخرى أن تحلّق عالياً ، كما شددت أنا الارجوحة عند بدايتي !
أرمقها بنظرة فرحٍ وأغلفها بابتسامه وصوتي يردّد " يا ريتني طفله أكبر همّي لعبتي "
أوّدعها ، ألتقطُ قناعي ، أمسح عنهُ بقايا الرمل العالقة ، أغمض عيناي أضمر في النفس
أمنية ، أنظر القناع لبرهةٍ وأرتديهِ وأعود لأكمل ما تبّقى من النهار ، وأوقّع على عريضة
تناقض يومي !!